لل نشرت الوزيرة السورية السابقة لمياء مرعي عاصي مقالة اليوم الجمعة في صجيفة الحياة اللندنية خرجت فيها عن صمتها وكشفت أسباب فشل الإصلاح الاقتصادي في سورية، وهذا نصها: جاءت الأزمة التي تعصف بسورية منذ آذار (مارس) 2011 بعد ست سنوات على تبني المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعية، لتحقيق تنمية فشلت في إنجازها الخطط الخمسية المتعاقبة. واعتُبِرت الخطوة انقلاباً للحزب الحاكم على شعاراته، وسماحاً للاستثمار الخاص في قطاعات كانت محصورة بالدولة منذ 1963، مثل المصارف والتأمين والكهرباء. من أهم ملامح اقتصاد السوق الاجتماعية تأكيد دور الدولة كمنظم للقطاعات وتقليص دورها الوصائي؛ وتحقيق التنمية وتشجيع المبادرات الخاصة ورفع الإنتاجية. فما هي الأسباب الأساسية لفشل الإصلاح الاقتصادي في سورية؟ - أولاً غياب التوافق: لم يحصل الإصلاح على توافق مجتمعي، فلم تشارك في النقاش حول هذا الانتقال الأحزاب، أو القوى المجتمعية مثل النقابات والجمعيات الأهلية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، وغرف التجارة والصناعة والزراعة، ومجلس الشعب، والخبراء الاقتصاديون وغيرهم. ففي معظم الدول التي مرت بمراحل مشابهة شُكِّل مجلس وطني للإصلاح، لكن الحكومة السورية لم تقبل باقتراح كهذا وبقي مجلس الوزراء الجهة التي تقرر وتنفذ. - ثانياً غياب الرؤية: غياب الرؤية وعدم وضع استراتيجيات تحدد أهم المزايا التنافسية للاقتصاد وكيفية إيجاد القيم المضافة، أو ترتيب الأولويات لمراحل الإصلاح، كما لم تضع برامج زمنية تلتزم بها لتنفيذ خطط التنمية. ولم يجر إعداد يتضمن رفع الوعي المجتمعي والإعلامي بالمتغيرات؛ وتأهيل مديري المؤسسات العامة ليتمكنوا من العمل في البيئة الجديدة. - ثالثاً تجذر الفساد: أدت التحالفات بين قلة من رجال الأعمال والمسؤولين في الدولة، وسيطرة بعض النافذين على قطاعات معينة، إلى استثمار نتائج الانفتاح والتحرير في شكل مشوه انعكس على توزيع المداخيل والطلب الداخلي. ولعل عدم التكافؤ في الفرص الاقتصادية أساء إلى مناخ الاستثمار في شكل كبير. وعلى رغم الحديث عن الفساد، فهو لم يُحارب في المستويات العليا. - رابعاً عدم تطوير بنية مؤسسية: لم تُكوَّن مؤسسات داعمة ومشرفة على عملية الإصلاح تختلف عن غيرها لجهة القانون والمهمات وتملك ديناميكية وقدرة على القيام بمهمات التخطيط والإشراف على التنفيذ وقياس الأداء ورصد الانحرافات ودعم جودة القرار الحكومي وتبسيط الإجراءات من خلال إعادة هيكلة مؤسسية واعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونظمٍ لجمع المعلومات والإحصاء. - خامساً ضعف الكوادر البشرية: من أهم نقاط الضعف في تجربة الإصلاح السورية، عدم إيلاء موضوع الكوادر البشرية في المؤسسات الحكومية الأهمية اللازمة، فلم يُنفَق على هذا الموضوع، وبقي خريجو دول المعسكر الاشتراكي معظم من يراد منهم تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعية. - سادساً الإصلاح الإداري: اتسمت مؤسسات الدولة بالبيروقراطية والبطء في اتخاذ القرار وتشابك المسؤوليات، وذلك في غياب نظام فاعل للتقويم والمتابعة، ولعل أهم ما كان يجب عمله هو إعادة هيكلة الجهاز الحكومي من خلال تطوير أنظمة جديدة للوظيفة العامة والمشتريات الحكومية، إضافة إلى تطوير آليات ومؤسسات مراقبة الأداء. - سابعاً اقتصاد الظل: تُقدَّر نسبة المؤسسات في اقتصاد الظل بما يزيد عن 40 في المئة من الاقتصاد الإجمالي، وهي تعمل من دون تراخيص وخارج أنظمة الضرائب والرقابة على الجودة أو الأسعار، واتبع كثير من الدول سياسات وإجراءات خاصة لإدماجها في الاقتصاد النظامي من خلال احتضانها وتأهيلها وإعفائها من الأعباء المالية في فترات أولى. أما في سورية فلم تُطبَّق أي سياسات لإدماج قطاع الظل، ونتيجة للانفتاح والتحرير التجاري، أغلقت هذه الورش أبوابها، وخلفت جيشاً من العاطلين من العمل. - ثامناً دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: لم تُطوَّر برامج للدعم والتطوير للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تبلغ نسبتها أكثر من 95 في المئة من المنشآت وتواجه مشكلات كثيرة، بدءاً من الحصول على التراخيص اللازمة، والوصول إلى التمويل وعدم وجود مؤسسات داعمة للإبداع والابتكار أو التسويق، علماً أن الاهتمام بهذه المشاريع يقلص البطالة ويزيد الطلب المحلي الذي يعزز النمو. - تاسعاً إعادة هيكلة القطاع العام: المشكلة الرئيسة التي تواجه القطاع العام هي أن الحكومة لا تملك الموارد اللازمة لإعادة هيكلة شركات القطاع العام من جهة، ولا تستطيع طرحها للاستثمار، ولا تجرؤ على مجرد الحديث عن التخصيص إذ لا يوجد توافق واضح بين الحكومة والنقابات العمالية والقيادة القطرية حول هذا الملف الشائك، ما جعلها تغرق في مزيد من الخسائر وتسبب مزيداً من النزف للخزانة. - عاشراً التطبيق الانتقائي لمكونات اقتصاد السوق الاجتماعية: تشمل مكونات اقتصاد السوق الاجتماعية بعداً سياسياً يتعلق باحترام الحقوق والحريات وسيادة القانون والمشاركة الشعبية، سواء من خلال تطبيق اللامركزية في الحكم أو تعزيز مشاركة المجتمع المدني في التنمية. لكن الدولة بقيت تعمل بطريقة المجالس العليا واللجان الوزارية وتكريس المركزية، ولم يتحقق تمكين حقيقي للسلطات المحلية لإدارة التنمية في مناطقها وتعزيز موازناتها المستقلة. - حادي عشر الاندماج في الاقتصاد العالمي: تأخرت سورية عن الاندماج في الاقتصاد العالمي لأسباب أهمها عدم القدرة على المنافسة، بسبب تدني نسبة المحتوى التكنولوجي والابتكار والإبداع وعدم الاهتمام بمعايير الجودة وعدم اعتماد المعايير العالمية وتدني الكفاءة الإنتاجية في المنتج السوري. وثمة أسباب أخرى مهمة للفشل الاقتصادي، أبرزها عدم تعزيز القضاء واستقلاله وسيادة القانون. وفي المحصلة النهائية، ازداد ارتفاع مؤشري البطالة والتضخم، وبما أن المؤشرين يشكلان معاً معياراً للبؤس، عاش السوريون في بؤس شديد، انتهى بهم إلى ما هم عليه الآن. syriadailynews

التعليقات